مركز الأنوار هو مركز حديث العهد نسبيا، أقيم في حيفا من أجل احتضان الفتيات المتسربات من الأطر التعليمية التقليدية، اللواتي بلغن 13 – 18 عاما. يزوّد المركز هؤلاء الفتيات بمضامين تعليمية وأخرى علاجية عملية لتحفيزهن وتمكينهن من العودة إلى الأطر التعليمية العادية، وأما إذا تعذر ذلك فيمكن إكسابهن مهارات وشهادة إنهاء للمرحلة الثانوية.
وقد يتبادر للذهن مشروع الشبيبة العاملة والمتعلمة الذي كان نشطا قبل أكثر من خمسين عاما في حيفا وتلاشى نتيجة إهماله وإغلاق قسم الشبيبة العاملة والمتعلمة كليا في الهستدروت. إلا أن مركز الأنوار يختلف قلبا وقالبا باعتباره يُعنى بالفتيات المتسربات، ويؤهلهن للعودة والانخراط في الأطر التربوية والتعليمية المألوفة في المدينة. وبدلا من الإعلان عن الإنجازات وتحقيق الأهداف التي أنشئ المركز من أجلها، فقد أعلنت بلدية حيفا، التي ترعى هذا المركز وتمدّه بالإمكانيات، في مطلع العام الماضي 2020 عن نيتها لإغلاق مركز الأنوار، بذريعة أنه لم يتم تسجل عدد كافٍ من الفتيات الجديدات فيه، ولذا تقرر نقل الفتيات اللواتي تسجلن للمركز، وعددهن 6 فتيات، إلى مركز آخر يسمى “ميتار” الذي يُعنى بالفتيان والفتيات المتسربين اليهود، وهو مركز مختلط لأبناء الجنسين.
بدأت الاتصالات والمكالمات الهاتفية ترد إلى جمعية التطوير الاجتماعي في حيفا، من أولياء أمور الفتيات العربيات اللواتي سيتم نقلهن من مركز الأنوار إلى مركز ميتار. الأمر الذي أقلق إدارة الجمعية، متمثلة بمديرتها المحامية جمانة اغبارية همام، التي عقدت اجتماعات مستعجلة مع مندوبين من مجموعة التعليم ضمن مشروع الجمعية “حيفا مدينة مشتركة”، العاملة الاجتماعية جهينة بدر نمارنة ورئيس مجلس لجان أولياء أمور الطلاب في المدارس الرسمية السيد بلال حصري، وجرى التداول في هذه الاجتماعات لتدارك الأمور والسعي من أجل عدم إغلاق مركز الأنوار، ومطالبة البلدية بإحياء هذا المركز عن طريق المسؤولين في قسم التربية والتعليم وقسم الرفاه الاجتماعي في البلدية، ونتيجة لتدخل السيد فاخر بيادسة، الناطق بلسان البلدية للمجتمع العربي، فقد أثمر ذلك عن طرح قضية المركز على طاولة البحث مع رئيسة البلدية.
لكن ظروف جائحة كورونا والإغلاقات المستمرة والمتقطعة حالت دون تسريع التوصل إلى نتائج ملموسة بين أقسام البلدية وجمعية التطوير. فبقي الوضع على هذا الحال حتى الأسبوع الماضي، إذ عقد اجتماع توصل فيه الحضور إلى ضرورة إبقاء المركز مفتوحا، وعدم إغلاقه. ومما قالته المحامية اغبارية همام، بمرافقة العاملة الاجتماعية ورئيس لجنة أولياء أمور الطلاب، إن البلدية لم تبذل الجهد الكافي من أجل نشر دور ومكانة مركز الأنوار في المجتمع العربي الحيفاوي، أو حتى الإعلان عن إقامته حين أقيم، كما أن مدارس حيفا الأهلية والعادية لم تشجع الفتيات المتسربات للالتحاق بهذا المركز في حالة تسربهن. وبالتالي يصبح هذا المركز حقًا من حقوق المجتمع العربي، الذي ينبغي على البلدية المحافظة عليه لا أن تغلقه. وهكذا قد يبلغ عدد الفتيات، وهن كثيرات اللواتي يلتحقن بالمركز، كافيا لتشغيله.
وأكد المجتمعون في هذا اللقاء، على أن البلدية هي المسؤولة عن أطر الشبيبة في حيفا، ولكن هذه مفقودة ومشلولة في المجتمع العربي، وبدلا من إغلاق مركز حيوي كالأنوار، يجب توفير الأطر الثقافية والتربوية والاجتماعية، المنهجية واللامنهجية للشباب في حيفا، وذلك إزاء ظاهرة التسرب الذي تعاني منه بعض المدارس العربية في المدينة. هذا عدا عن تفشي أعمال الجنوح والجريمة والعنف في المجتمع العربي عامة وحيفا خاصة، الأمر الذي يدعو بإلحاح إلى ضبط الأمور، والحد من ظاهرة التسرب هذه، وإيجاد الأطر الكفيلة باستيعاب الشبيبة العربية للفتيان والفتيات على حد سواء.
من جهتها أضافت رئيسة الجمعية، أن الأسباب التي حدت بالبلدية لإغلاق هذا المركز تمثلت بالإهمال المستمر في إدارته، وعدم الجدّية بالتعامل مع الفتيات المتسربات عامة والعربيات خاصة، وافتقار المركز للبرامج التعليمية والتثقيفية والتربوية التي تسد الفراغ القائم لدى هؤلاء الفتيات، وحتى لو ظهر هنا وهناك أي نشاط أو فعالية فغالبا ما تكون بائسة وغير جذابة. ولذا جاءت ضرورة العمل بعدة مسارات، أولها توعية الفتيات في الأطر التعليمية القائمة حاليا على وجود مثل هذا المركز الحيوي، لكي تلتحق به المتسربات منهن، وكذلك الفتيات اللواتي دخلن إطار التسرب الخفي بمفردهن، فيمكن استيعابهن جميعا في المركز، إضافة إلى وجوب ترميم مبنى المركز وتجديد بنيته التحتية، ووضع برنامج داعم للنشاطات المستقبلية فيه. ومن اللافت أن التواصل بين جمعية التطوير الاجتماعي وقسم الرفاه الاجتماعي وبدعم السيد فاخر بيادسة، نجم عن إعلان البلدية قبل أيام عن مناقصة لمنصب مديرة لمركز الأنوار، من أجل إعادة افتتاح المركز.
إن جمعية التطوير الاجتماعي تثمّن غاليا الرأسمال والاستثمار الاجتماعي والإنساني المتوفر في مدينتنا حيفا، وتأمل بأن تتقدم إلى وظيفة مديرة مركز الأنوار من تتحلى بالمؤهلات الكافية، وهؤلاء كثيرات وغيورات على مصلحة المجتمع، والمعنيات والمهتمات بتقديم الدعم والمساعدة لهذه الفئة من فتياتنا. فيندرج ذلك في سياق العمل المجتمعي بامتياز، أكثر من كونها مجرد وظيفة إدارية. وينبغي إعادة النور إلى مركز الأنوار، كي تتلاشى عتمته، ويضمحل ظلامه، وتهتدي فتياته إلى سبيل العلم والمعرفة على ضوء نوره وبهجته.
كما ترى جمعية التطوير بقضية مركز الأنوار قضية مجتمعية جديرة بالاهتمام والعناية، وتضعنا في موقف عدم التراخي وعدم التهاون في حقوقنا، وعدم الانصياع للقرارات التي تتخذ أحيانا جزافا، ودون أن تكون لها أي صلة بالواقع. وهذا يؤكد وعينا في جمعية التطوير بغية متابعة العمل من أجل مجتمع عربي محلي متطور، ولا يمكننا تحقيق هذه الرؤيا بالتجاهل أو التغاضي عن فئة من مكونات مجتمعنا، بل نقف كلنا وقفة واحدة مطالبين بحقوقنا كاملة وغير منقوصة.